سورة الأنعام - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله تعالى: {الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلمٍ} في الظلم ها هنا قولان:
أحدهما: أنه الشرك، قاله ابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، روى ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية شق على المسلمين فقالوا: ما منَّا من أحد إلا وهو يظلم نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيسَ كَمَا تَظُنُّونَ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لَقْمَانُ لابْنِه» {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
والثاني: أنه سائر أنواع الظلم.
ومن قال بهذا اختلفوا في عمومها وخصوصها على قولين:
أحدهما: أنها عامة.
والثاني: أنها خاصة.
واختلف من قال بتخصيصها فيمن نزلت على قولين:
أحدهما: أن هذه الآية نزلت في إبراهيم خاصة وليس لهذه الأمة منها شيء، قاله علي كرّم الله وجهه.
والثاني: أنها فيمن هاجر إلى المدينة، قاله عكرمة.
واختلفوا فيمن كانت هذه الآية جواباً منه على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه جواب من الله تعالى فصل به بين إبراهيم ومن حَاجّه من قومه، قاله ابن زيد، وابن إسحاق.
والثاني: أنه جواب قومه لما سألهم {أَيُّ الْفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالأمْنِ}؟ فأجاوبا بما فيه الحجة عليهم، قاله ابن جريج.
والثالث: أنه جواب إبراهيم كما يسأل العالم نفسصه فيجيبها، حكاه الزجاج.
قوله تعالى: {وَتَلْكَ جُجَّتُنآ ءَاتَينَاهآ إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} وفي هذه الحجة التي أوتيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: قوله لهم: {أَتَعُْبدُونَ مِنْ دِونِ اللَّهِ مَا لاَ يمْلِكُ لَكُم ضَراً وَلاَ نَفْعاً} أم تعبدون من يملك الضر والنفع؟ فقالوا: مالك الضر والنفع أحق.
والثاني: أنه لما قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالأمْنِ} عبادة إله واحد أم آلهة شتى؟ فقالوا: عبادة إله واحد فأقروا على أنفسهم.
والثالث: أنهم لما قالوا لإِبراهيم ألا تخاف أن تخبلك آلهتنا؟ فقال: أما تخافون أن تخبلكم آلهتكم بجمعكم للصغير مع الكبير في العبادة.
واختلفوا في سبب ظهور الحجَّة لإبراهيم على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى أخطرها بباله حتى استخرجها بفكره.
والثاني: أنه أمره بها ولقنه إياها.
{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَشَاءُ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: عند الله بالوصول لمعرفته.
والثاني: على الخلق بالاصطفاء لرسالته.
والثالث: بالسخاء.
والرابع: بحسن الخلق.
وفيه تقديم وتأخير، وتقديره: نرفع من نشاء درجات.


قوله عز وجل: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} فيهم خمسة أقاويل:
أحدها: فإن تكفر بها قريش فقد وكلنا بها الأنصار، قاله الضحاك.
والثاني: فإن يكفر بها أهل مكة فقد وكلنا بها أهل المدينة، قاله ابن عباس.
والثالث: فإن تكفر بها قريش فقد وكلنا بها الملائكة، قاله أبو رجاء.
والرابع: أنهم الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرهم الله تعالى من قبل بقوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}، قاله الحسن، وقتادة.
والخامس: أنهم كل المؤمنين، قاله بعض المتأخرين.
ومعنى قوله: {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا} أي أقمنا بحفظها ونصرتها، يعني: كتب الله وشريعة دينه.


قوله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: وما عظموه حق عظمته، قاله الحسن، والفراء، والزجاج.
والثاني: وما عرفوه حق معرفته، قاله أبو عبيدة.
والثالث: وما وصفوه حق صفته، قاله الخليل.
والرابع: وما آمنوا بأن الله على كل شيء قدير، قاله ابن عباس.
{إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ} يعني من كتاب من السماء.
وفي هذا الكتاب الذي أنكروا نزوله قولان:
أحدهما: أنه التوراة، أنكر حبر اليهود فيما أنزل منها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الحبر اليهودي سميناً، فقال له: «أَمَا تَقْرَءُونَ فِي التَّورَاةِ: أَنَّ اللَّه يَبْغَضُ الحَبْرَ السَّمِينَ» فغضب من ذلك وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فتبرأت منه اليهود ولعنته، حكاه ابن بحر.
والقول الثاني: أنه القرآن أنكروه رداً لأن يكون القرآن مُنَزَّلاً.
وفي قائل ذلك قولان:
أحدهما: قريش.
والثاني: اليهود.
فرد الله تعالى عليهم بقوله: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَى} يعني التوراة لاعترافهم بنزولها.
ثم قال: {نُوراً وَهُدىً لِّلنَّاسِ} لأن المنزل من السماء لا يكون إلا نوراً وهدىً.
ثم قال: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} يعني أنهم يخفون ما في كتابهم من بنوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصفته وصحة رسالته.
قوله عز وجل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلَنَاهُ مُبَارَكٌ} يعني القرآن، وفي {مُبارَكٌ} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه العظيم البركة لما فيه من الاستشهاد به.
والثاني: لما فيه من زيادة البيان لأن البركة هي الزيادة.
والثالث: أن المبارك الثابت.
{مُّصَدِقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} فيه قولان:
أحدهما: الكتب التي قبله من التوراة، والإِنجيل، وغيرهما، قاله الحسن البصري.
والثاني: النشأة الثانية، قاله علي بن عيسى.
{وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى} يعني أهل أم القرى، فحذف ذكر الأهل إيجازاً كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82].
و{أُمَّ الْقُرَى} مكة وفي تسميتها بذلك أربعة أقاويل:-
أحدها: لأنها مجتمع القرى، كما يجتمع الأولاد إلى الأم.
والثاني: لأن أول بيت وضع بها، فكأن القرى نشأت عنها، قاله السدي.
والثالث: لأنها معظمة كتعظيم الأم، قاله الزجاج.
والرابع: لأن الناس يؤمونها من كل جانب، أي يقصدونها.
ثم قال: {وَمَنْ حَوْلَهَا} قال ابن عباس: هم أهل الأرض كلها.
{وَالَّذِينَ يَؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ} وفيما ترجع إليه هذه الكناية قولان:
أحدهما: إلى الكتاب، وتقديره: والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون بهذا الكتاب، قاله الكلبي.
والثاني: إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وتقديره: والذين يؤمنون بالآخرة، يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم لِمَا قد أظهر الله تعالى من معجزته وأَبَانَه الله من صدقه، قاله الفراء.
فإن قيل: فيمن يؤمن بالآخرة من أهل الكتاب لا يؤمنون به؟ قيل: لا اعتبار لإِيمانهم بها لتقصيرهم في حقها، فصاروا بمثابة من لم يؤمن بها.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10